البحرين.. تفاقم الأزمة ومخاوف من توتر إقليمي  
 
 
 
أعلن عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، فرض "السلامة الوطنية" الثلاثاء 15-3-2011 على نحو فوري ولمدة ثلاثة أشهر. بينما استدعت المنامة سفيرها من طهران، واعتبرت أن مواقف إيران "تدخل سافر في شؤونها الداخلية."
 
"بؤر رعب وترهيب"
 
وكلف العاهل البحريني في المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 القائد العام لقوة دفاع البحرين، ترسيخ الأمن والاستقرار في المملكة، ومن المقرر أن يتولى الحرس الوطني والجيش وقوات حفظ النظام هذه المهمة إلى جانب القوات الخليجية. واعتبر العاهل البحريني أن ما يجري في بلاده "أعمال عنف وإرهاب من قبل فئات خارجة عن القانون".
 
وجاء في المرسوم:" نظرا للظروف التي تمر بها مملكة البحرين والتي جرى فيها تصعيدات أمنية مست أمن البلاد، وعرضت حياة المواطنين للخطر، وأضرت بمصالحهم ... وطالت مؤسسات الدولة ... وحولت المستشفيات إلى بؤر رعب وترهيب كما عملت على الإضرار بعجلة التنمية والاقتصاد البحريني".
فقد أصدر الملك المرسوم الملكي بـ"إعلان حالة السلامة الوطنية وفقا لنص المادة 36 فقرة (ب) من دستور المملكة لسنة 2002، وذلك في جميع أنحاء مملكة البحرين اعتبارا من يوم الثلاثاء الموافق 15 مارس 2011 ولمدة ثلاثة أشهر، وقد تم تكليف القائد العام لقوة دفاع البحرين بسلطة اتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية، على أن تنفذ هذه التدابير من قبل قوة دفاع البحرين وقوات الأمن العام والحرس الوطني وأية قوات أخرى إذا اقتضت الضرورة ذلك".
إدانة شديدة
 
على صعيد متصل، أعلنت الحكومة البحرينية استدعاء سفيرها لدى إيران احتجاجا على تصريحات انتقدت فيها طهران تدخل قوات أجنبية في المملكة.
وقال السفير حمد العامر وكيل وزارة الخارجية للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون "إن ما جاء في التصريح الإيراني يعد تدخلا سافرا في الشأن الداخلي البحريني، ومن دولة يفترض أنها ترتبط مع المملكة بعلاقات حسن الجوار، وهذا ما تتبعه دائما مملكة البحرين في علاقاتها مع إيران، وإنها على اتصال مع الأمم المتحدة والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي حول هذا التدخل الإيراني السافر".
 
وأضاف: "إن التصريح الإيراني يتعارض ولا يتماشى مع أبسط مبادئ حسن الجوار التي تنتهجها مملكة البحرين مع إيران، ومع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي". وقال السفير حمد العامر إن البحرين تدين بشدة هذا التصريح الإيراني الذي يعد تدخلا في شؤونها الداخلية، وترفضه رفضا باتا وقاطعا، باعتباره تهديدا لأمن المنطقة وإخلالا بالسلم والأمن الدوليين.
 
وأكد العامر :"أن دخول قوات درع الجزيرة يأتي انطلاقا من وحدة المصير المشترك وترابط أمن دول مجلس التعاون على ضوء المسؤولية الجماعية المشتركة للمحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة، وإن أمن دول مجلس التعاون كل لا يتجزأ بمقتضى اتفاقيات التعاون الدفاعية والأمنية المشتركة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون". وختم:" وعليه قررت مملكة البحرين استدعاء سفيرها في طهران بصفة فورية للتشاور".
 
إيران تحتج وتستدعي
 
من جهتها، استدعت طهران القائم بأعمال السفارة البحرينية لديها، وذلك عبر رئيس الدائرة الأولى للخليج والشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإيرانية ظهر يوم الثلاثاء، الذي أبلغ القائم بالأعمال البحريني "قلق الجمهورية الإسلامية الجاد من دخول قوات أجنبية إلى البحرين وقمعها الشعب البحريني الذي يطالب بإصلاحات في البلاد عبر مسيرات سلمية".
 
وقال رئيس الدائرة الأولى للخليج والشرق الأوسط خلال اللقاء:"إن مبادرة القوات الأجنبية بأي دافع أو شكل كانت غير مقبولة وستؤدي إلى تعقيد الأوضاع في البحرين". وأضاف: "كما أعلنت الجمهورية الإسلامية في مواقفها، فإن "اللجوء إلى القوة مدان وينبغي التعامل مع المطالب الشعبية بشكل سلمي".
ولم تكتف إيران باستدعاء القائم بالأعمال البحريني، بل استدعت وزارة الخارجية الإيرانية الثلاثاء، السفير السعودي لدى طهران لتبلغه "احتجاجها الرسمي على تدخل الرياض السافر، في شؤون المنامة الداخلية ولإبداء قلق الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه التوغل العسكري للجيش السعودي في الأراضي البحرينية الذي اعتبرته طهران خطوة مرفوضة تمس سيادة البحرين".
 
وأعرب "حسين أمير عبد اللهيان" مدير عام شؤون الخليج والشرق الأوسط بوزارة الخارجية، عن عدم ارتياحه لأداء الجيش السعودي، قائلا: "ما يجري في البحرين حاليا هو مجموعة من المطالب التي عرضها الشعب للحكومة بصورة سلمية وكان من المتوقع أن تتعامل الحكومة السعودية مع هذه المسألة بأساليب منطقية مع الشعور بالمسؤولية الإقليمية"، مضيفاً:"إن دخول القوات العسكرية السعودية إلى البحرين ليس فقط لا يساعد في حل المسألة، بل سيزيد من تعقيد الأمور وسيحول قضية داخلية إلى أزمة إقليمية، الأمر الذي يتعارض والمساعي الهادفة لاستتباب الأمن والهدوء في منطقة الخليج المهمة".
 
المسألة أكثر تعقيدا
 
وفي أول رد فعل إيراني على تدخل قوات خليجية في البحرين، اعتبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية الثلاثاء  15-3-2011، أن دخول قوات تابعة لدول مجلس التعاون الخليجي إلى البحرين "غير مقبول"، ولن يؤدي إلا إلى "جعل المسألة أكثر تعقيدا وصعوبة".
 
وقال "رامين مهما نبرست" خلال اللقاء الصحافي الأسبوعي: "لا نعتقد أنه من الصائب أن تكون قوات من بلدان أخرى، خصوصا من بلدان الخليج موجودة أو أن تتدخل في قضية البحرين". كما أكد رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني أن إرسال قوات عسكرية إلى البحرين سيجعلهم "يواجهون غضب الشعب البحريني وبالتأكيد سيعود ذلك عليهم بالضرر مستقبلا".
 
إلى ذلك ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (ايرنا) أن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي طلب من الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو "استخدام كل إمكانات المنظمة لمنع اللجوء إلى العنف" في البحرين.
 
الوحدة "خط أحمر"
 
وحول هذه التصريحات الإيرانية، أكد عبد الرحمن بن حمد العطية الأمين العام لمجلس التعاون مجددا "رفض التدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، خاصة وأن دول مجلس التعاون تراعي علاقات حسن الجوار، ولا تتدخل في الشأن الداخلي لأي دولة، بل إنها تحرص على إقامة علاقات طيبة يسودها الاحترام المتبادل مع كافة الدول بما في ذلك إيران".
 
ونوه العطية بمواقف دول مجلس التعاون الذي تمثل مؤخرا في إرسال قوات "درع الجزيرة" المشتركة لحفظ الأمن والنظام، موضحا بأن ذلك :"إجراء عادي في مثل هذه الظروف ويأتي في سياق تنفيذ اتفاقيات التعاون، والمسؤولية المشتركة في المحافظة على الأمن والاستقرار فيها".
 
وأكد العطية الثلاثاء  15-3-2011، بأن قرار إرسال قوات درع الجزيرة المشتركة يمثل "التزاما جماعيا بأمن البحرين وسلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها، وأن وحدتها الوطنية خط أحمر لن يسمح لأي طرف بتجاوزه"، مجددا رفض دول المجلس القاطع لأي تدخل خارجي في شؤون مملكة البحرين ، أو الاستفراد بها، مؤكدا:"أن الإخلال بأمنها واستقرارها وبث الفرقة بين مواطنيها يعد انتهاكا خطيرا لسلامة واستقرار دول مجلس التعاون، وإضرارا بأمنها الجماعي"، داعيا أهل البحرين إلى "الدخول في حوار وطني شامل تحقيقا للسلم الأهلي، وحفاظا على مكتسبات أهل البحرين".
 
قتلى من الطرفين
 
وعلى المستوى الميداني، نفى مصدر بحريني مسؤول الأنباء عن مقتل جندي سعودي في أحداث البحرين. وأكد المصدر في تصريح لوكالة أنباء البحرين أنه لا صحة لمقتل جندي سعودي في أحداث البحرين. ونقلا عن نائب معارض، ذكرت "رويترز" أن بحرينيا قتل يوم الثلاثاء في اشتباكات مع الشرطة بمنطقة سترة وأن عددا آخر أصيب.
 
وأضاف أن الرجل توفي متأثرا بإصابات في الرأس. ما يرفع عدد قتلى الاحتجاجات التي اندلعت في 17 فبراير الماضي إلى 9. كما أعلنت وزارة الداخلية عن مقتل أحد أفراد الأمن العام في منطقة المعامير، أثناء أدائه للواجب :"بعد أن تم دهسه عمدا من قبل أحد مثيري الشغب".
 
هذا وقد وصلت إلى مملكة البحرين مساء يوم الثلاثاء الدفعة الثالثة من قوات درع الجزيرة المشتركة، لتلتحق بالدفعات التي وصلت يوم الإثنين، حسبما ذكرت وكالة أنباء البحرين. وناشدت القيادة العامة لقوة دفاع البحرين :"المواطنين والمقيمين بالتعاون التام والترحيب بإخوانهم من قوات درع الجزيرة المشتركة ".
 
 
الأمم المتحدة مستعدة لـ"الدعم"
 
ورغم الصمت الدولي تجاه ما يجري في البحرين من اضطرابات منذ نحو شهر، إلا أن تدخل "درع الجزيرة" لحماية أمن البحرين من جهة، والتدخل الإيراني بالشؤون الداخلية للمملكة، فتح الباب للغرب بالتدخل في الأزمة البحرينية، إذ أعلن وزير الخارجية الفرنسي (آلان جوبيه) يوم الثلاثاء أن :"دول مجموعة الثماني تأمل في حدوث انتقال ديمقراطي في البحرين". وأضاف جوبيه ردا على سؤال عن البحرين في مؤتمر صحافي بعد اجتماع لوزراء خارجية دول مجموعة الثماني في باريس "بالتأكيد نعتقد أن انتقالا ديمقراطيا مهم هناك مثله في أي مكان آخر".
 
في هذا السياق، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن قلقه إزاء تصاعد العنف في البحرين. وجاء في البيان الذي أصدره يوم الثلاثاء "إنه انزعج من العنف الذي خلف عددا من الجرحى خلال الأيام القليلة الماضية". وقال مون إن :"الأمم المتحدة على تواصل مع كل الأطراف البحرينية، بما في ذلك الحكومة وأطراف المعارضة التي نقلت مخاوفها إليه بعد التطورات الأخيرة، مشددا على أن "الأمين العام يؤمن بشدة بضرورة اعتماد السبل السلمية لضمان الوحدة الوطنية والاستقرار".
 
ودعا مون المعنيين إلى :"إظهار أقصى درجة من ضبط النفس، والقيام بكل ما أمكن للحيلولة دون استخدام القوة والمزيد من العنف، وضرورة أن تتصرف كل الأطراف بما يتماشى مع حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني". وحث:"على إيجاد أرضية مشتركة من دون أي تأخر، تقوم على حوار وطني واسع وذي معنى، طالباً من "جيران البحرين والمجتمع الدولي دعم مسار الحوار ودعم خلق بيئة تؤدي إلى إصلاح حقيقي". وأعلن الأمين العام أن "الأمم المتحدة ما زالت مستعدة لتقديم الدعم لأية جهود بقيادة وطنية إذا طلب منها ذلك".